روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | البعث بعد الموت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > البعث بعد الموت


  البعث بعد الموت
     عدد مرات المشاهدة: 3856        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

البَعث في لُغة العرب: إثارة الشيء المُستَكِنّ. ومَعناه في اصطِلاح: إحياء الله الناس مرَّة ثانية بعد مَوتهم، لِيجزِيَهم في هذه الحياة الثانية على ما قَدَّموه في حياتهم الأولى من خَير وشر، ويُعبَّر عنه بالقيامة، والحياة الآخِرة، وغير ذلك.

وأدلة إثبات البعث وأنه حق لا ريب فيه كثيرة جدًّا، منها قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 55- 56]، وقال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28]، وقال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، وقال تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان: 28].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد». [رواه البخاري (4690)، وللاستزادة من أدلة القرآن والسنة على أن يوم البعث حق لا ريب فيه، انظر معارج القبول 2/571- 821. فقد استفاض في ذكر الأدلة والرد على من أنكر ذلك].

أخي الحبيب: أعلم أن في ذلك اليوم الرهيب الذي له أكثر من اسم، وعند العرب أن الشيء إذا كثرت أسمائه دل على أهميته ورفعته، ويذكرون لذلك أمثلة منها السيف والأسد.

فيوم البعث له أكثر من اسم؛ كما ذكر ذلك القرطبي في التذكرة منها: يوم القيامة، واليوم الآخر، والساعة، ويوم الفصل، ويوم الدين، ويوم الصاخة، ويوم الطامة، ويوم الحسرة، ويوم الندامة، ويوم الزلزلة ويوم القارعة، الخ.. وقد وصف الله يوم القيامة بيوم الرعب والفزع؛ حتى أن المرضع التي تفدي وليدها بنفسها في الدنيا، يوم القيامة من شدت هوله تذهل عنه، والحامل تسقط حملها، والناس حالهم كحال السكارى؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2].

ومن هول ذلك اليوم أن أبصار الظلمة شاخصة، لا يقدرون على الإلتفات يمينًا ولا شمالًا؛ كما قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم: 43].

بل إن قلوبهم ترتفع إلى حناجرهم ولا تخرج، ولا تستقر في مكانها؛ كما في قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18].

ولشدة هول ذلك اليوم يشيب شعر الطفل الرضيع؛ كما قال الله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل: 17- 18].

وتنقطع علائق الأنساب في ذلك اليوم الرهيب؛ كما قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101].

والقريب يفر من قريبه، والأب من ابنه، والابن من أبيه، والزوج من زوجته، والأخ من أخيه؛ كما قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 33- 37].

حتى أن الكافر يفتدي نفسه بكل ما يملك، ولكن هيهات هيهات؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد: 18]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران: 91]. وقال تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج: 11- 14].

أخي المسلم أختي المسلمة: إن الله جل وعلا في ذلك اليوم يقبض الأرض ويطوي السماء بيمينه؛ كما في قول الكبير المتعال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله السماوات والأرض يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله». وفي رواية: «يأخذهن بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟». [رواه مسلم (2788)].

وفي ذلك اليوم تدك الأرض دكًّا، وتنسف الجبال نسفًا؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الحاقة: 13- 15]، وقال تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير: 3]، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10]، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 105- 107].

وفي ذلك اليوم تفجر البحار وتسجر؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الإنفطار: 3].

وقال تعالى:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6].

وتمور السماء وتتفطر؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} [الطور: 9]، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [الإنفطار: 1].

وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1- 2]، وقال تعالى: {وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16].

وفي ذلك اليوم تكور الشمس، ويخسف القمر، وتتناثر النجوم، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، وقال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7- 8]، وقال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار: 2]. وقال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير: 2].

ومجمل القول في أهوال ذلك اليوم قول الصادق المصدوق عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}». [رواه الترمذي (3333) وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6191)].

وقال الإمام حافظ حكمي رحمه الله في ذلك اليوم وما يحدث فيه من أهوال:

وباللقاء والبعث والنشـور *** وبقيـامنـا من القبــور

غرلًا حفاة كجراد منتشـر *** يقول ذو الكفران ذا يوم عسر

ويجمع الخلق ليوم الفصـل *** جميعهـم علويهـم والسفلي

في موقف يجل فيه الخـطب *** ويعظـم الهـول به والكرب

واحضروا للعرض والحساب *** وانقطعت علائـق الأنسـاب

وارتكمت سحائب الأهوال *** وانعجـم البليـغ في المقـال

وعنـت الوجـوه للقيـوم *** واقتص من ذي الظلم للمظلوم

وساوت الملـوك للأجنـاد *** وجيء بالكتـاب والأشهـاد

وشهدت الأعضاء والجوارح *** وبدت السـوآت والفضائـح

وابتليت هنـالك السرائـر *** وانكشف المخفي في الضمـائر

وقال أحد الشعراء يعظ أحد الملوك:

مثل لنفسك أيها المغرور *** يوم القيامة والسماء تمور

إذ كورت شمس النهار وأدنيت *** حتى على رأس العباد تسير

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت *** وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذا البحار تفجرت من خوفها *** ورأيتها مثل الجحيم تفـور

وإذا الجبال تلعقت بأصولها *** فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا العشار تعطلت وتخربت *** خلتِ الديار فما بها معمور

وإذا الوحوش لدى القيامة احشرت *** وتقول للأملاك أين تسير

وإذا تقاة المسلمين تزوجت *** من حور عين زانهن شعور

وإذا الموؤدة سئلت عن شأنها *** وبأي ذنب قتلها ميسور

وإذا الجليل طوى السماء بيمينه *** طي السجلِّ كتابه المنشور

وإذا الصحائف نشرت فتطايرت *** وتهتكت للمؤمنين ستور

وإذا السماء تكشطت عن أهلها *** ورأيت أفلاك السماء تدور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها *** فلها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت *** لفتى على طول البلاء صبور

وإذا الجنين بأمـه متعلق *** يخشى القصاص وقلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف جنينه *** كيف المصر على الذنوب دهور؟!

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

المصدر: موقع إمام المسجد.